ما بين مؤتمري تغير المناخ COP 26 و COP 28 .... لا مفر من اتخاذ خطوات جادة لمواجهة هذه الأزمة العالمية!

إنّ ما شهدناه العام الماضي من أزمات وكوارث مناخية يجب أن ينبه الجميع بأننا لا نملك رفاهية الوقت لمواجهة قضية التغير المناخي. لقد حدثت خلال 2021 مجموعة من أسوأ الكوارث المناخية التي خلّفت ورائها خسائر فادحة في الممتلكات والأرواح، وتخطت فاتورة الخسائر مليارات الدولارات. 

 

لقد كان ما حدث العام الماضي نذيرًا لنا بأنّ التغير المناخي لم يعد أمرًا وشيك الحدوث، ولكنه أصبح واقعًا نعيشه يوميًا، بل ويكتسب زخمًا جديدًا باستمرار، ولا توجد دولة في العالم بمعزل عن هذه الكوارث العالمية المؤلمة. من ناحية أخرى، حذر تقرير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ IPCC بأننا إذا عجزنا عن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بكميات هائلة على مستوى العالم، فلن نتمكن من تحجيم الارتفاع المطّرد في درجة حرارة العالم، مع احتمال تخطي معدل الارتفاع لمستوى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030. 

 

إنّ المجتمع الدولي عليه أن يتكاتف بقوة لمواجهة هذه التحديات والتهديدات الخطيرة. فخلال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP 26)، أدرك الجميع بأنّ هناك تغيرًا حقيقيًا طرأ على رؤية العالم لقضية التغير المناخي، ولكننا حتى الآن فعليًا لم نرى سوى خطط واتفاقيات وتعهدات غير ملزمة لأي طرف. لقد قضينا وقتًا كافيًا للغاية في التخطيط ولكن حان الوقت لتنفيذ خطة صارمة على أرض الواقع لمواجهة التغير المناخي.    

 

فمن الواضح حتى الآن أنّ الجهود العالمية للحد من التغير المناخي غير كافية بكل المقاييس. وعلى الرغم من ذلك، هناك عدد من الخطوات الواضحة التي يمكن اتخاذها لتحقيق بعض التقدم في هذه المواجهة. فعلينا التركيز على ما يمكننا القيام به الآن وازالة المعوقات التي تحول دون تحقيق أهداف التخلص من الانبعاثات الكربونية. إنّ اتخاذ إجراءات حاسمة لتفادي حدوث المزيد من الكوارث المناخية، أصبح أمرًا ملحًا أكثر من أي وقت مضى. 

 

وبالفعل اتخذت دول المنطقة العديد من الخطوات الإيجابية في الاتجاه الصحيح، عن طريق إطلاق عدد من المشروعات التجريبية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط، بما في ذلك تدشين أول منشأة من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر اعتمادًا على الطاقة الشمسية بالتعاون مع هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، حيث يستعرض هذا المشروع إمكانية التسويق التجاري للهيدروجين على نطاق واسع كأحد مصادر الطاقة بدون انبعاثات كربونية. وفي تشيلي، يُعد مشروع هارو أوني أول منشأة عالمية متكاملة لإنتاج بدائل الوقود الصديقة للبيئة بدون أية انبعاثات.   

 

إنّ منطقة الشرق الأوسط تلعب دورًا رئيسيًا في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي بأسعار اقتصادية لدول العالم، بالإضافة لنجاح دول المنطقة في تقليل تكلفة الانبعاثات الكربونية من خلال تحسين كفاءة توليد الطاقة وتقليل الانبعاثات. ويمكن تحسين كفاءة التطبيقات التكنولوجية المستخدمة في قطاع الطاقة لتطوير صناعة الهيدروجين مستقبلاً.

 

لقد أصبحت الطاقة المتجددة عاملًا رئيسيًا في تمهيد الطريق أمام قيام وازدهار صناعة الهيدروجين الأخضر. وفي هذا الإطار، تتوافر لدينا أفضل الخطط، واستطعنا تحقيق تقدم ملحوظ العام الماضي. ولكن حتى نتمكن من تحقيق زيادة ملحوظة في مشروعات الطاقة المتجددة العملاقة، لابد من التعامل مع عدد من التحديات التي تواجه سلاسل التوريد. فلابد من وضع نهاية للتركز الجغرافي العالمي في تصنيع مكونات توليد الطاقة الشمسية، وهو ما يتسبب في حدوث تقلبات سوقية بالقطاع يترتب عليها حالة من عدم التأكد تؤثر على قدرة الدول والشركات على تطوير المشروعات وتنفيذها في مواعيدها المحددة. لقد تباطأ تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة الشمسية العملاقة في المنطقة بل وتوقف بعضها تمامًا نتيجة هذه الأزمة.  

 

وبالتالي فإنّ التوسع في الاعتماد على تكنولوجيا الطاقة الشمسية وإقامة مراكز لتصنيع اللوحات وباقي منتجات توليد الطاقة الشمسية بما يضمن توفيرها بأسعار تنافسية في جميع أنحاء العالم، هو احدى الطرق الفعالة للقضاء على تلك المشكلة. وبالطبع يتطلب ذلك قيام المستثمرين ورواد الأعمال الإقليميين بتطوير منظومة تنافسية متكاملة لتصنيع هذه المنتجات على المستوى الإقليمي.   

 

من ناحية أخرى، يجب على الشركات والدول اتخاذ إجراءات عاجلة تضمن التزام العالم بالوصول لأهداف خفض الانبعاثات الكربونية. ويُعد تطبيق ضريبة الكربون من المعايير الهامة التي تضمن تحقيق ذلك بصورة فعالة. فإذا ما تم تطبيق هذه الضريبة بشكل مناسب، فإنّ ضريبة الكربون ستحفز الاستثمارات والابتكارات في قطاع تكنولوجيا الطاقة النظيفة، كما ستلعب الضريبة دورًا محوريًا في جعل هذه الاستثمارات أكثر جدوى في المستقبل.  

 

الأهم من ذلك هو حاجتنا الماسة لإقامة تحالفات جديدة بين الشركات والأطراف المعنية بقطاع الطاقة المتجددة، وهو ما سيترتب عليه المساهمة في إنقاذ كوكبنا. إنّ الدول ذات الانبعاثات الكربونية الهائلة عليها أن تنحي خلافاتها وطموحاتها التنافسية الضيقة جانبًا، وتتعاون معًا في تطبيق أفضل الممارسات المرتبطة بخفض الانبعاثات الكربونية في القطاع الصناعي في أسرع وقت ممكن. إننا لن نتمكن من تحقيق أي تقدم في هذه القضية المصيرية سوى بالتخلي عن المنافسة الأنانية والعمل معًا كمجتمع عالمي واحد. 

 

بالإضافة لذلك، وبعد عامين من الآن، ستستضيف الإمارات العربية المتحدة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP 28)، وأتمنى أن نشهد تطورات جوهرية قبل حلول تلك الدورة، بحيث نتمكن من تحقيق إنجازات ملموسة بوتيرة أسرع وأفضل مما حدث خلال السنوات القليلة الماضية. إنني على ثقة من قدرتنا على تخطى أهدافنا المناخية إذا ما بدأنا في تنفيذ خططنا الطموحة لهذه القضية المُلحّة.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

تأكد من أن تبقى على إطلاع بأخر المستجدات وكل ما تحتاج أن تعرفه حول الطاقة الكهربائية والتحكم الآلي والتحول الرقمي